أنـــواع الترجمة.
تقسم الترجمة إلى أنواع متعددة ومتنوعة بتنوع المعايير والاعتبارات المعتمَدة في تقسيمها. وقد عولج هذا الأمرُ في القديم و الحديث معا، و لدى العرب والعجم على حد سواء .
عرف المترجِمون العرب القدامى طريقتين رئيستين في الترجمة، ذكرهما صاحب "الكشكول" عن الصلاح الصفدي الذي قال: " وللترجمة في النقل طريقتان؛ إحداهما طريقة يوحنا ابن البطريق و ابن ناعمة الحمْصي و غيرهما، وهي أن ينظر إلى كلمة مفردة من الكلمات اليونانية و ما تدل عليه من المعنى، فيأتي الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها و ينتقل إلى الأخرى كذلك، حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه... الطريقة الثانية في التعريب طريقة حنين بن إسحاق و الجوهري و غيرهما، و هي أن يأتي بالجملة فيحصل معناها في ذهنه، ويعبر عنها في اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء ساوت الألفاظ أم خالفتها ." والطريقة الأولى – في نظر الصلاح- رديئة ، وذلك لأمرين: " أحدهما أنه لا يوجد في الكلمات العربية كلمات تقابل جميع الكلمات اليونانية؛ و لهذا وقع في خلال التعريب الكثير من الألفاظ اليونانية على حالها.[و الأمر] الثاني أن خواصّ التركيب و النسب الإسنادية لا تطابق نظيرها من لغة أخرى دائما، و أنه يقع الخلل من جهة استعمال المجازات، وهي كثيرة في جميع اللغات." في حين إن الطريقة الثانية أجود و أحسن، و لهذا " لم تحتجْ كتب حنين بن إسحاق إلى تهذيب إلا في العلوم الرياضية، لأنه لم يكن قيما بها . بخلاف كتب الطب و المنطق الطبيعي و الإلهي، فإن الذي عرّبه لم يحتج إلى إصلاح".
و يقسم كاتفورد الترجمة إلى أنواع عدة، أبرزها:
- الترجمة الصوتية : و هي "ترجمة محددة يستبدل فيها بنص صوتي في (لم) ما يكافئه في نظام ( له) الصوتي . و يبقى النحو و المفردات المعجمية في نص (لم) ثابتة ما خلا بعض الشواذ المعجمية و النحوية التي تنطوي عليها العملية"(18).
- الترجمة الشكلية أو (الخطية): و هي " ترجمة محددة يستبدل فيها نص في ( لم) بما يقابله في شكل (له).و إن مبدأ التكافؤ هنا هو العلاقة بالمادة الشكلية نفسها." (19)
- النقـــحرة: و قد تطرق كاتفورد إلى هذا النوع الترجمي في الفصل العاشر من كتابه "Linguistic theory of translation" .و ذكر أن عملية بناء نظام نقحري تضم – في الناحية المبدئية- خطْوات ثلاثاً، كالآتي:
1- تبدل أحرف (لم) بوحدات صوتية في (لم) . و هذه الطريقة الأدبية العادية التي يتم من خلالها التفكير في الوسيلة المحكية.
2- تترجم الوحدات الصوتية في (لم) بوحدات صوتية في (له).
3- تحول الوحدات الصوتية في (لم) إلى أحرف أو وحدات خطية أخرى في (له)." (20)
و يذكر كاتفورد نفسُه في موضع آخر من كتابه المذكور نوعين آخرين من الترجمة، يختلفان فيما بينهما من حيث الإطلاق و التقييدُ، و هما:
- الترجمة الكاملة: و هي التي تشمل النص رُمَّتَــه، و تنصب على جميع جوانبه.
- الترجمة المقيدة: و معناها " أن يستبدل بمواد نص في (لم) ما يقابلها من مواد في مستوى واحد فقط؛ أي ترجمة تنفذ على المستوى الصوتي أو الخطي، أو على أحد المستويين: القواعد أو المفردات المعجمية."(21)
و يقسم أوجين نايدا الترجمة إلى نوعين متقابلين؛ و هما :
- الترجمة الشكلية: و ترتبط بالجانب الشكلي أو "المَبْـنَوِي" إن صح هذا التعبير.
- الترجمة التأثيرية: و يطلق عليها كذلك " ترجمة المعنى"، و هي – حسب نايدا- " مقابل طبيعي للبلاغ في لغة الأصل/ المرجع."
و يتحدث فيناي (J.Vinay) و داربيلني (A.Darbelnet) في كتابهما المشترك "Stylistique comparé du français et de l'anglais"، عن ضربين من الترجمة؛ أحدهما " الترجمة المتعددة"؛ و معناها أن يترجم النص الواحد ترجمات عدة بتعدد شخصيات المترجمين و تباين طرق الترجمة. أما ثاني الضربين فهو " الترجمة المعكوسة"؛ و معناها نقل نص من لغة (أ) إلى لغة (ب)، و من لغة (ب) إلى لغة (أ). و من مزايا هذا الضرب الترجمي التأكد من مدى دقة الترجمة ومن أن كل عناصر النص قد تم نقلها بلا زيادة و لا نقصان.
و يرى ذ. محمد عجيبة أن للترجمة ثلاثة مظاهر ( أو أنواع)، كالآتي:
- الترجمة في صلب اللغة الواحدة (Intralinguale) : و تتم إطار اللغة الواحدة، فلا يكاد يشعر بها الإنسان. و مثال ذلك من يحقق نصا من النصوص القديمة، فينقله من لغة في حال معينة إلى هذه اللغة نفسها ولكن في حال أخراة.
- الترجمة من لغة إلى أخرى(Interlinguale): و تتم بين لغتين مختلفتين، كأن تقع بين العربية و الفرنسية.
- الترجمة من نظام سيميوطيقي إلى آخر (Intersémiotique) : و تكون من نظام عَلاَمي إلى آخر، كأن ينقل مخرجٌ رواية من صورتها اللغوية إلى نطاق السينما أو المسرح (بعض روايات نجيب محفوظ و غسان كنفاني و الطاهر وطار و أحمد التوفيق نماذجَ.)
هناك نوع آخر يسميه البعض "الترجمة الذهنية" (Traduction mentale) ، و تتم في ذهن الإنسان المتكلم بلسانين فأكثر، و عادة ما يكون ثمة تجاذب و صراع بين هذه الألسن. يقول الجاحظ: "و متى وجدناه أيضا قد تكلم بلسانين علمنا أنه أدخل الضيم عليهما، لأن كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى و تأخذ منها وتعترض عليها".
و تقسم الترجمة – بالنظر إلى صاحبها- إلى ترجمة بشرية و ترجمة آلية. فأما الأولى فيقوم بها الإنسان، و أما الثانية فيضطلع بها الحاسب الإلكتروني، وقد نادى باحثون عديدون باستعمال هذا الجهاز في الترجمة لتعويض الإنسان. يقول القاسمي: "و أنا إذْ أدعو المعنيين في الأمة العربية إلى استخدام الحاسب الإلكتروني في خزن المصطلحات العلمية و التقنية، و ترجمتها، و تنسيقها، و توحيدها، إنما أفعل ذلك إدراكا مني أهمية توفير المصطلح العلمي و التقني في لغتنا العربية بوصفه من متطلَّبات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية التي نطمح إليها، و إدراكا مني بأن ذلك سيتم بصورة أفضل باستعمال الحاسب الإلكتروني." (22)
إن الترجمة- باعتبار المعيار الزمني- إما فورية وإما تعاقبية. كما أنها تنقسم – من زاوية أخرى- إلى شفوية و كتابية. و من هنا، ميز العرب بين لفظي (مترجم) و (ترجمان)، على أساس أن اللفظ الأول يشير إلى الناقل كتابة، و يجمع على ( مترجمون). في حين يقصد باللفظ الثاني الناقل شفاهًا و يجمع على ( تراجمة). ويميز بعض الدارسين بين الترجمة الأدبية (23)، و بين الترجمة العلمية (24).
إذاً فالترجمة أنواع عديدة جدا. و يمكن أن نتحدث عن نوعين كبيرين في هذا الإطار؛ أحدهما "الترجمة الحرفية"، و الآخر "ترجمة التصرف" . فأما النوع الأول فيقوم على نقل نص من النصوص بحذافيره و حرفيته بدون تصرف في صيغه و مفرداته ومعانيه. و الملاحظ أن كثيرين يستهجنون هذه الترجمة المباشرة و لا يأخذون بها في ترجماتهم، و ذلك بالنظر إلى تعدد أخطائها و مزالقها و سلبياتها. يقول محمد ديداوي:" إن الترجمة الحرفية تظل ناقصة، و قد تكون سببا في تخريب اللغة و إفسادها، و قد تساعد الترجمة الحرفية على الاحتفاظ "بالنكهة" الأصلية". (25) و أما النوع الثاني فيتصرف فيه المترجم بما يتلاءم مع لغته و سياقه الحضاري، و لا يتقيد بحرفية النص قيدِ الترجمة. و قديما قال إيتيان دولي (Etienne Dollet) – الذي أحرق بسبب ترجمته الحرة لأحد نصوص أفلاطون في ق 16-: " على المترجم ألاّ يكون عبدا وفيا للنص الأصلي".
و هذا النوع – في نظرنا- أجود، و أكثر فعالية و جدارة على تحقيق الإقلاع و التنمية المنشودة.